Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ما زالت بريطانيا مغرية لاستثمارات الأجانب؟

الاتجاه لتشديد القيود على تسجيل الشركات وعمليات الاستحواذ قد يؤثر في حجم تدفقات الأموال

القيود على عمليات الاستحواذ وشراء الشركات تمثل عائقاً أمام استثمار رؤوس الأموال الأجنبية في بريطانيا (رويترز)

ملخص

مخاوف الهجرة جعلت الحكومة البريطانية تفرض قيوداً على التأشيرات

من بين طموحات بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست" أن تتخلص من القيود البيروقراطية الأوروبية، لتفسح المجال أمام تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، مما ينعش اقتصاد البلاد، لكن بعد أربع سنوات على "بريكست"، يظل أداء الاقتصاد الأسوأ بين أقرانه من الاقتصادات الصناعية المتقدمة. على رغم أن هناك عوامل كثيرة تسهم في هذا الوضع، فإن المأمول من الاستثمارات الخارجية الذي لم يتحقق كما كان متوقعاً أسهما أيضاً في التردي الاقتصادي.

مع ذلك، تظل بريطانيا في وضع أفضل من غيرها بالنسبة إلى الأجانب الراغبين في الاستثمار في دول غربية، في الأقل في قطاع العقار، إذ ما زالت بريطانيا في وضع أفضل من دول مثل النمسا وكندا وغيرهما، فلا توجد أي قيود على شراء الأجانب للعقارات في البلاد، حتى من دون الحاجة إلى تأشيرة إقامة، لكن سهولة إنشاء شركة في بريطانيا، من قبل مقيمين أو أجانب، أصبحت تحت المجهر الآن مع توجه لتشديد إجراءات الفحص والتدقيق من قبل هيئة تسجيل الشركات "كومباني هاوس"، بعد الكشف عن مخالفات كثيرة في تسجيل الشركات وسرقة هويات وعناوين، وتحذير البنوك الكبرى من إفصاحات شركات ملفقة.

وتفكر الحكومة البريطانية، في توجهها نحو الحد من العجز في الموازنة، في تقليل أو حتى إلغاء الإعفاءات الضريبية للأثرياء المقيمين الذين يسجلون ثرواتهم في الخارج، إضافة إلى توسيع القطاعات التي يخضع استحواذ الأجانب على أعمالها للتمحيص الدقيق، من قبل سلطات المنافسة لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

الاستثمار في العقار والأسهم

ربما كان قطاع الاستثمار الذي لم يتغير كثيراً، من حيث الإجراءات وسهولة دخول الأجانب فيه حتى لو كانوا من غير المقيمين، هو الاستثمار في السهم والأوراق المالية البريطانية وأيضاً في القطاع العقاري، فبالنسبة لسوق الأوراق المالية، يمكن عبر منصات التداول المتاحة على الإنترنت التعامل في السهم والسندات البريطانية، حتى للأفراد العاديين، إذ يمكن لشخص في دولة خليجية مثلاً أن يفتح حساب تداول عبر أحد التطبيقات على هاتفه الذكي، ويشتري ويبيع أسهماً بريطانية في بورصة لندن، ويتطلب ذلك فقط بيانات تقليدية، تحدد الهوية والجنسية وبلد الإقامة وحسابه المصرفي.

صحيح أن السوق البريطانية ليست مغرية تماماً كسوق "وول ستريت" في نيويورك أو أسواق تداول أخرى، لأن تحرك الأسهم فيها بطيء وبهامش ضيق لكنها تظل مهمة لمن يرغب في الاستثمار طويل الأمد أو الاستثمار في أسهم الشركات التي توزع عائد.

يظل القطاع العقاري البريطاني الأكثر إغراء للمستثمرين الأجانب، ولطالما شكلت مشتريات الخليجيين والآسيويين وحتى الأميركيين نسبة معقولة من نمو السوق العقارية البريطانية. وبحسب إحصاءات، تشكل مشتريات الأجانب خمس (نسبة 20 في المئة) النمو السنوي في القطاع العقاري البريطاني، وحتى الآن لم تتغير قواعد وإجراءات شراء الأجانب للعقارات في البلاد، التي تعد من أسهل الإجراءات في العالم تقريباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يمكن لأي أجنبي أن يشتري عقاراً في بريطانيا من دون حتى الحاجة إلى تأشيرة إقامة في البلاد، طالما استوفى شروطاً بسيطة مثل إثبات هويته وتوضيح مصدر أمواله بشكل تقليدي روتيني، وكل ما سيحتاج إليه بعد ذلك أن يفتح حساباً في بنك بريطاني، وأغلب البنوك الكبرى في البلاد مثل "باركليز" و"أتش أس بي سي" وغيرها تفتح حسابات للأجانب حتى من دون أن يكونوا مقيمين في بريطانيا أو لديهم تأشيرة إقامة.

وطالما كان الأجنبي سيشتري العقار نقداً، فلا توجد أي متطلبات إضافية سوى إجراءات الشراء التي تنطبق أيضاً على المواطنين والمقيمين، أي إنه عند إنهاء الشراء سيدفع ضريبة التسجيل العقاري، والتي تحدد بحسب سعر العقار وتراوح بين خمسة و12 في المئة، وسيكون مطالباً بدفع ضرائب عن العائد من تأجير العقار باعتباره دخل في بريطانيا، وعند بيع العقار وتحقيق أرباح سيدفع عنها ضريبة أرباح رأس المال، وتنطبق على الأجنبي أيضاً مثله مثل المواطن والمقيم ضريبة التركات في حالة أيلولة العقار للورثة.

أما إذا احتاج المشتري الأجنبي للحصول على قرض عقاري من بنك أو مؤسسة إقراض عقاري بريطانية، فسيكون مطالباً بدفع مقدم بنسبة أعلى، كما أن المقرضين ربما يفرضون نسبة فائدة أعلى إذا كان المقترض أجنبياً، وليس لديه تأشيرة إقامة، وفي كل الأحوال، يفضل أن يستعين المشتري بشركة عقارات بريطانية لتسهيل كل تلك الأمور.

ويعد القطاع العقاري البريطاني مغرياً للاستثمار طويل الأمد لمرونته الشديدة وصلابته في مواجهة الأزمات، من ثم يضمن المستثمر الأجنبي تحقيق أرباح على المدى الطويل من شراء عقار في بريطانيا.

إلغاء الإعفاءات الضريبية

من العوامل المهمة التي تحدد تدفق رؤوس الأموال والاستثمار الأجنبي المباشر إلى أي بلد النظام الضريبي في ذلك البلد، وغالباً ما تقدم الدول حزم إعفاءات ضريبية وخفض الرسوم لتشجيع المستثمرين الأجانب على ضخ أموالهم في ذلك البلد.

وباستثناء ضريبة الشركات والأرباح على رأس المال، المعمول بها في معظم دول العالم، يعد نظام الضرائب في بريطانيا من الأكثر صرامة، بخاصة ضرائب الدخل وغيرها من الرسوم التي تحصلها الدولة وتعد مورداً أساسياً للخزانة العامة.

ويفكر أي مستثمر أجنبي في كل تلك النظم قبل أن يقدم على وضع أمواله في أي بلد، لذا، يثار جدلاً منذ فترة حول اعتزام وزير الخزانة جيريمي هانت، تغيير وضع الإعفاء الضريبي للمقيمين الأثرياء على ثرواتهم المسجلة خارج بريطانيا. وينظر إلى خفض الإعفاء أو إلغائه لتوفير بضعة مليارات قليلة للخزانة العامة على أنه سيكون عائقاً كبيراً أمام تشجيع الأثرياء على القدوم إلى بريطانيا أو الاستثمار فيها، ذلك في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر لإنعاش اقتصادها الذي دخل في ركود تقني نهاية العام الماضي 2023، وهذا الإعفاء الضريبي المعروف باسم "ضريبة الثروة غير المقيمة" يستفيد منه الأثرياء، حتى لو كانوا بريطانيين أو مقيمين بشكل دائم، وثروتهم مسجلة في بلد آخر، ويميز ذلك بريطانيا عن دول أخرى، مثل الولايات المتحدة مثلاً التي يدفع مواطنوها ضرائب على أموالهم التي يحصلون عليها من العمل أو الاستثمار في الخارج، وهي ميزة تجعل الأثرياء يفضلون بريطانيا على غيرها، ويعني إلغاءها تردد الأثرياء في جعل بريطانيا قاعدة لهم.

تسجيل الشركات والإقامة

تقليدياً، ليس هناك أسهل من تسجيل شركة في بريطانيا، بخاصة لو كانت شركة محدودة المسؤولية، ولا يحتاج الأمر سوى ملء قليل من البيانات عبر الإنترنت على موقع هيئة تسجيل الشركات مع دفع رسوم بسيطة، ونتيجة تلك السهولة، تجد كثيراً من الشركات الوهمية على سجل الشركات في الهيئة، وهو ما كشفت عنه تحقيقات صحافية في الآونة الأخيرة توصلت إلى مئات عمليات الاحتيال، بسرقة هوية أعمال شرعية واختلاس الأموال من البنوك باسمها.

بدأت هيئة تسجيل الشركات تحقيقات في تلك الأمر، ويتوقع أن تعدل الإجراءات هذا الشهر بما يعطي الهيئة سلطات أوسع للتدقيق في تسجيل الشركات.

صحيح أن غالبية الشركات مسجلة بشكل شرعي وقانوني، حتى تلك التي تعود ملكيتها لأجانب لا يحتاجون أيضاً لأن يكونوا مقيمين في بريطانيا، إلا أن عمليات النصب والاحتيال تلك شكلت ضغطاً على السلطات للتدقيق في تسجيل الشركات.

يظل من السهل على أي أجنبي أن يسجل شركة في بريطانيا، طالما وفر البيانات الأساسية من تحديد الهوية، ووضع حساب مصرفي ناشط وغيرها من المتطلبات العادية، لكن هيئة تسجيل الشركات ستبدأ من مارس (آذار) الحالي في تشديد عمليات الفحص، وربما إضافة بنود جديدة للتدقيق عند تسجيل الشركة، إلا أن تلك الإجراءات ستأخذ وقتاً حتى تصبح موضع تنفيذ.

غالباً ما يكون تسجيل شركة مقدمة للحصول على تأشيرة إقامة لصاحبها أو مديريها المسجلين في الهيئة، إذ إن تسجيل الشركات لا يحتاج أصلاً لتأشيرة إقامة، ويمكن لأي شخص أن يسجل شركة من الخارج على موقع الهيئة عبر الإنترنت طالما يضع عنواناً في بريطانيا.

ولأن مشكلة الهجرة أصبحت قضية رئيسة في بريطانيا، فقد أعلنت حكومة ريشي سوناك في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن إجراءات تقييد لإصدار تأشيرات الإقامة، منها تقييد استقدام المقيمين لأفراد عائلاتهم حتى الأقارب من الدرجة الأولى، وكذلك زيادة الحد الأدنى للراتب للقادمين على تأشيرة العمالة الماهرة بنسبة 50 في المئة تقريباً من 26200 استرليني (33 ألف دولار) إلى 38700 استرليني (49 ألف دولار)، أي إن أي شركة أو عمل يريد استصدار تأشيرة لمن يريد أن يوظفه من خارج بريطانيا، عليه أن يدفع له هذا الراتب الجديد. ويخشى كثيرون من أن الشركات والأعمال ستجد صعوبة في توظيف من تحتاج إليهم، وأن بحثها عن بدائل من داخل بريطانيا سيعني زيادة أكبر في الكلفة.

وتضمنت الخطة التي أعلنها وزير الداخلية جيمس كليفرلي تقييد قدرة الدارسين الأجانب في بريطانيا على استقدام أفراد عائلاتهم أو من يعولونهم إلى بريطانيا، ورفعت الحكومة رسوم الخدمات الصحية على تأشيرات الدارسين والعمالة الماهرة بنسبة 66 في المئة لتصبح 1035 جنيهاً استرلينياً (1313 دولاراً) بدلاً مما هي عليه حالياً عند 624 جنيهاً استرلينياً (791 دولاراً).

النقط الخامسة تتعلق بالتأشيرات العائلية، حيث ترفع الحكومة الحد الأدنى للدخل لمن يريد استقدام أفراد عائلته لبريطانيا إلى 38.7 ألف جنيه استرليني (49 ألف دولار)، بدلاً من الحد الأدنى المطبق منذ عام 2012 عند 18.6 ألف جنيه استرليني (23.59 ألف دولار)، ولا يتعلق ذلك الشرط بالعاملين المقيمين بتأشيرة عمالة ماهرة أو غيرها، وإنما أيضاً بالمواطنين البريطانيين، أي إن البريطاني الذي يتزوج من الخارج لا يمكنه استقدام الشريكة إلا إذا كان الحد الأدنى لدخله هو الشرط المالي الجديد.

قيود الاستحواذ وشراء الشركات

في سياق سياسات الحمائية، توسعت الحكومة البريطانية في القطاعات التي تخضع عمليات الاندماج والاستحواذ فيها للفحص والتدقيق المشدد من قبل عدة هيئات رسمية، ومثلما هي الحال في الولايات المتحدة، فإن الهدف الأهم هو الحد من تغلغل النفوذ الصيني في قطاعات الأعمال، بخاصة الحساسة منها والتي تعد مهمة من ناحية الأمن القومي، لكن تلك الإجراءات لا تفرض على الشركات ورجال الأعمال الصينيين أو الروس فقط، إنما هي تشرع كقوانين تنطبق على أي مستثمر أجنبي أو شركة أجنبية ترغب في ضخ استثمارات في بريطانيا، عبر شراء شركات أو أعمال. ومع أن تلك القواعد كانت ميسرة حتى عام 2016 (عام الاستفتاء على بريكست) إلا أنها أصبحت أكثر تعقيداً في السنوات التالية، على سبيل المثال، أضافت الحكومة البريطانية في يناير (كانون الثاني) 2023 قيوداً وقواعد لمراقبة عمليات الاستحواذ والاندماج قبل السماح بها، بخاصة في 17 مجالاً اقتصادياً حساساً تمتد من صناعات الدفاع وتكنولوجيا الكم، إلى الطاقة النووية المدنية والصناعات الحيوية التخليقية. وفي السنة المحاسبية الأخيرة، أخطرت الحكومة في شأن 866 صفقة اندماج واستحواذ، وطبقاً لتلك القواعد تعرضت 65 صفقة منها لمزيد من التدقيق والتقييم.

وتدرس الحكومة البريطانية حالياً تخفيف تلك القيود على الاندماج والاستحواذ لتشجيع المستثمرين الأجانب، بخاصة من دول الخليج، على ضخ رؤوس الأموال في الاقتصاد البريطاني، لكن ذلك سيأخذ وقتاً حتى يصبح تخفيف تلك القيود البيروقراطية موضع التنفيذ.

اقرأ المزيد

المزيد من أسهم وبورصة